صاحب الظل الطويل - جين وبستر

صاحب الظل الطويل - جين وبستر
ترجمة: بثينة الإبراهيم
دار النشر: منشورات تكوين
التقييم:4/5





دائمًا ما ألهمتني قصص الأيتام، وكانت البداية مع أوليفر تويست التي أبدعها ديكنز وألهمت الكثيرين من بعده. اليوم أقف عاجزًا أمام قدرة جين وبستر على تعزيز صورة الأيتام وحيواتهم في أي مكانٍ كانوا. الملجأ هو الملجأ لا تتغير مبادءه بتغير الزمان والمكان. فيخرج من رحم معاناته شبانًا وشابات قد رأوا في حياتهم ما لم ير غيرهم. ولم يروا في حياتهم ما قد رأى الجميع عداهم.

أنتجت جين من معاناة ميتم جون غرير جيروشا أبوت أو جودي أبوت. حكت حياة أبوت في دار الأيتام بشكل سريع في الصفحات الاولى حيث كانت هي الأكبر سنًا. وكانت ترعى الأطفال في الجناح (ف) وكانت مسؤولة عنهم. وبعد أن تجاوزت السن المسموح لها بالبقاء في الميتم فقد مدّ لها الميتم يد العون ومدّ إقامتها إلى سنتين إضافيتيين مقابل ما تقوم به من عمل داخل الميتم. لن أخوض في تفاصيل القصة كثيرًا ولكني أريد أن أريكم مرحلة التحول الكبيرة في حياة جودي. حيث انتقلت جودي لتدرس في الجامعة تحت رعاية أحد الوصاة الذي تكلف بمصاريف تعليمها كاملةً. وكان المطلوب منها فقط أن تجتهد وأن تبعث برسالة شكر وامتنان كل شهر للكريم صاحب الظل الطويل كما لقبته هي.

رواية جين وبستر ليست رواية بالمعنى الكامل فهي لم تفِ شروط الرواية كاملةً من حيث الشخوص والحوار وما إلى ذلك. كانت الرواية عبارة عن رسائل من جيروشا أبوت إلى صاحب الظل الطويل، ولم يكن هناك رسائل بالمقابل. حكت جودي في الرسائل كل ما مرت به في الأعوام الأربعة التي قضتها في الكلية وكيف تبدّل حالها. إتقان جين وبستر لتطور شخصية جودي وتحولها الكامل من شيء إلى شيء آخر تمامًا، وإخراج ذلك في صورة كلمات بسيطة تحمل الكثير من البراءة والطفولة والامتنان وقدر كبير من السخط في الآن نفسه، كل ذلك أعطى رواية جين قدرًا كبيرًا من القوة والقدرة على توصيل المشاعر.

الأمر الذي جعلني أخوض في الرواية هي المشاعر الصادقة التي أظهرتها جودي أبوت في رسائلها الطويلة منها والقصيرة. كيف شرحت كل شيء، وكيف أظهرت مشاعرها في كل رسالة. بالإضافة إلى حس الدعابة الذي تميزت به جين وبستر والذي أضفى على الرواية بعدًا آخر وجعلني أشعر أنني أحلق داخل الرواية. انتهت الرواية بسرعة كبيرة، ليس لصغر حجمها ولكن لسلاسة أسلوبها وخفة قصتها ووضوح حبكتها. اختارت جين الألفاظ في روايتها بعناية شديدة تناسب كلمات تخرج من فتاة عاشت سنينها السبع عشرة الأولى في ميتم، ثم انتقلت لتتعلم الأدب الإنجليزي والتاريخ والأحياء دفعةً واحدة. وصف المشاعر والانبهار الذي أقرته جودي أبوت في رسائلها كان له وقع محبب على نفسي، حيث اكتشَفتْ عالمًا جديدًا لم تكن تعرفه ولم تره من قبل، حتى لم تكن لتسمع عنه. كما أنني أحبت اسم أبوت بشدة.

وأقر أن نهاية القصة قد فاجأني كثيرًا رغم أن جين لم تتكلف العناء لشرح النهاية أكثر وتركت القاريء يتخيل ماذا من الممكن أن يحدث بعد ذلك. ولكني لن أنسى علاقة جودي بكل الشخوص في الرواية والذين لم تتطرق لهم جودي لأن جين لم ترد أن تتطرق لهم. تجربة رائعة ورواية خفيفة لا تطلب منك الكثير لكي تبدأ بقرائتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المخ الأبله

ظل الريح - كارلوس زافون

الأشجار واغتيال مرزوق - عبدالرحمن منيف