لُعبة الملاك - كارلوس زافون
لُعبة الملاك - كارلوس زافون
التقييم: 4.5/5
دار النشر: منشورات الجمل
ترجمة: معاوية عبدالمجيد
في البداية، حين حملتُ الرواية بين يديّ. ظننتُ أنني سأشهد عملًا تكميليًا لما بدأه كارلوس زافون في روايته الأولى من هذه السلسلة، مقبرة الكتب المنسية. ولكن وبعد قراءتي لعشرين صفحة من لُعبة الملاك، وجدتني أمام عالمًا آخر، لا يقل روعةً ولا غموض عن ذلك الذي عشته في ظل الريح. وجدتني في زمنٍ آخر، أبعدُ من ذلك في ظل الريح، وأشخاصًا آخرين وقصةً جديدة.
القصة تبدأ هادئة، وتنمو حبكتها بالتدريج، تتشعب في مناطق أكثر من مناطق، ثم سرعان ما تعود إلى نفس النقطة مجددًا. الشخصيات في لُعبة الملاك ليست واضحة المعالم تمامًا كما في ظل الريح. ركز الكاتب بشكل أساسي على الشخصية الرئيسية، وأهمل الشخصيات الأخرى وأسكنها سطورًا قليلة في الرواية. يجمع بعض المعلومات من هنا ومن هناك وينقلها لك في سطرين أو ثلاث في فقرة ما، ثم تتلاشى الشخصية حتى تكاد تنسى أنها موجودة في الرواية. وهذا ما أخذته على الكاتب بوجه التحديد. وفي الأخير تظهر الشخصيات جميعها دفعةً واحدة كأنها لوحة سيريالية صامتة، تبوح بملايين المعلومات في كل لحظة. وفي الخلفية تصدح موسيقى تصويرية عالية جدًا تكاد تصم أذنيك، فيصيبك صداعٌ مزمن، لا يزول إلا بتقدمك في الرواية. إياك وأن تترك الرواية عند تلك النقطة.
إن كنت سأصف الرواية وصفًا مناسبًا بذلك العمل الفني الرائع، فهي ضربٌ من الجنون، أمثال أفلام مارتن سكورسيزي. يأخذك الكاتب إلى رحلة خيالية في زمنٍ بعيد، ويذكّرك بمقبرة الكتب المنسية، وبلعنة الكتب بداخلها، وتلك الأرواح التي تسكن الكتب وما إلى ذلك، حتى تغلق كتابك وتنظر إلى الغلاف فترى وجه كارلوس زافون يبتسم لك بخبث، وقد تسمع صوت قهقهة يأتي من العدم، وجملة "مرحبا بك في المقبرة عزيزي القاريء".
تحمل القصة ألوانًا شتى من العبقرية، بدايةً من اختيار الشخصيات، والزمان والمكان - كالعادة - ومرورًا بالأحداث البطيئة أحيانا والسريعة جدا في أحايين أخرى، ثم انتهاءًا بتسلسل تتسارع معه الأنفاس وخاتمة مجنونة وغير منطقية، وتطور غريب في الشخصيات. الأمر الذي جعلني أحك رأسي في هوة من الغرابة والغموض بواقع كل صفحتين.
في النهاية أحب أن أنوه أن كارلوس زافون قد أخذ قصص الغموض والإثارة إلى مستوى آخر لم أعهده من قبل، وقد قلب كل موازين الطبيعة ليخرج لنا تحفة فنية رائعة، تتفوق في أجزاء كثيرة على سابقتها، ظل الريح، وتأخذ القاريء إلى مدينة الملاعين خاصة دافيد مارتين ليقبع هناك حتى تنتهي آخر صفحة في الرواية. كما أن تطور الشخصيات في الروايتين يجعلهما لا يرتبطان بتتابع زمني محدد، فيمكنك أن تشعر بظل الريح قبل أن تفك عقدة لُعبة الملاك، أو أن تغامر في لُعبة الملاك على أن تراقص ظل الريح فيما بعد، والمتعة واحدة في الطريقين.
تعليقات
إرسال تعليق